هذه قصة قصيرة عن مدينتين، مدينة تحرص على المحافظة على جمالها ونظافة بيئتها، وأخرى تضيع جمالها، ولا يهمها كثيرا أن تتلوث بيئتها. في الأسبوع الماضي، يوم 29 أكتوبر، حققت تركيا حلما كان يراودها منذ عام 1860م للربط البري بين قارتي آسيا وأوروبا، وذلك بافتتاح نفق مرمرة الذي يعبر مضيق البوسفور بين الشطرين الآسيوي والأوروبي لمدينة إسطنبول، المدينة الأولى في القصة. طول النفق 13 كيلو مترا، ويشمل جزءا مغمورا طوله 1.4 كيلو متر، ويقع على عمق 60 مترا من سطح البحر، أي حوالي 5 أمتار تحت المضيق الذي يبلغ عمقه مائة و 55 مترا، وبذا، يعتبر أعمق نفق في العالم. تم بناء النفق بالتعاون بين شركات تركية ويابانية وكورية، وقد بلغت تكلفته حوالي 3.3 مليار يورو. وقد روعي في تصميمه أن يكون مقاوما للزلازل التي تعتبر تركيا من المناطق كثيرة التعرض لها. النفق يحتوي على مسارين للقطار السريع ويستطيع أن ينقل 1.5 مليون راكب يوميا.
أستعرض هذا الإنجاز الذي يلعب دورا حيويا في حركة النقل في تركيا، بل والعالم كله، ومع ذلك روعي في تصميمه وإنشائه المحافظة على بيئة وجمال بحر مرمرة، وذلك بتجنب إنشاء الجسور التي تشوه منظر البحر وتزيد الضوضاء والتلوث وتعرقل حركة الملاحة. يسوقني خبر هذا الإنجاز الكبير إلى التفكير في مشروع أصغر بكثير يتم التخطيط له في المدينة الثانية في القصة، وهي مدينة جدة والتي تخطط للربط بين ضفتي خليج يصغر كثيرا عن بحر مرمرة وهو خليج أبحر.
جدة ــ للأسف ــ تفكر بطريقة تختلف تماما عن إسطنبول، وبدلا من إنشاء نفق يعبر الخليج بهدوء، وبعيدا عن الأنظار سوف تنشئ جدة جسرا ضخما يحتوي على ثمانية مسارات للسيارات ومسارين للقطار ومسار للمشاة. وسيستند هذا الجسر على قاعدتين أسمنتيتين ضخمتين داخل الماء.
أنظر إلى التصميم ــ القبيح ــ المقترح للجسر كما هو منشور على غلاف مجلة أمانة جدة ــ العدد 51 لربيع الآخر ــ جمادى الأولى 1434هـ. تنتابني مرارة وأنا أتصور ما سيصبح عليه وضع خليج أبحر، وهو أحد منتزهات جدة الرئيسية، بعد تنفيذ هذا المشروع الذي يشكل، في نظري، وبدون شك، كارثة بيئية سوف تقضي على ما تبقى من جمال الخليج. مشروع الجسر لا يراعي أية عوامل بيئية أو جمالية، بل يضرب بكل ذلك عرض الحائط، وكأننا ما زلنا نعيش في الماضي الغابر، الذي لم تكن للبيئة فيه أية اعتبارات أمام المسلحات الإنشائية الضخمة.. الكارثة قد تكون أقرب مما نتصور، بعد أن أدرجت أمانة جدة مشروع الجسر ضمن مشروع النقل العام في جدة، الذي وافق عليه مجلس الوزراء بتكلفة تقديرية 45 مليار ريال. لا أعرف أي دراسة بيئية استندت عليها الأمانة، ولماذا رجعت إلى فكرة الجسر وألغت فكرة النفق التي كانت متداولة لديها في وقت ما. هل هي التكلفة؟ لا أدري، ولكني لا أعتقد، فمدينة جدة تنفق المبالغ الكبيرة على أمور أقل أهمية. من ناحية أخرى أي فرق في التكلفة بين بناء نفق وبناء الجسر لا يبرر تخريب متنزه يستفيد منه مئات الآلاف من المواطنين على مدار العام. أتمنى أن تستفيد جدة من تجربة نفق مرمرة وتضع مشروع نفق أبحر على طاولة الدراسة مرة أخرى. أن تدعو بعض المختصين البيئيين والمهندسين المرموقين في تخطيط المدن والفنانين وتستمع إلى آرائهم. عرض خليج أبحر في المنطقة المقترحة لعبوره لا يتجاوز 300 متر. أما عمقه فيقدر بحوالي ثلاثين مترا. ولذا فإن تكلفة إنشاء النفق ستكون أقل بمراحل من نفق مرمرة. هناك العديد من الأنفاق في العالم التي بنيت تحت أنواع مختلفة من الأجسام المائية مثل الخلجان والأنهار والبحار. تشمل هذه أنفاق مسارات للسيارات أو القاطرات. لم يأت بناء هذه الأنفاق من فراغ، بل روعي في بنائها عدم تغيير المناظر الجمالية، وعدم المساس، قدر الإمكان، بالبيئات المحيطة بها. خليج أبحر عانى الكثير من الهجمات العمرانية على شاطئيه، ولا يحتمل هجمة أخرى ضخمة. ولو أنصفنا هذا الخليج لجعلناه محمية طبيعية، وحميناه من كل ما يمكن حمايته منه من تشويه جمالي وتلويث لمائه وهوائه. وبما أن القرار قد تم اتخاذه للربط بين ضفتي الخليج، فحري بنا اختيار أنسب الوسائل التي تحافظ على شكله وبيئته. السؤال باختصار هو: هل تستفيد جدة من إسطنبول؟.
أستعرض هذا الإنجاز الذي يلعب دورا حيويا في حركة النقل في تركيا، بل والعالم كله، ومع ذلك روعي في تصميمه وإنشائه المحافظة على بيئة وجمال بحر مرمرة، وذلك بتجنب إنشاء الجسور التي تشوه منظر البحر وتزيد الضوضاء والتلوث وتعرقل حركة الملاحة. يسوقني خبر هذا الإنجاز الكبير إلى التفكير في مشروع أصغر بكثير يتم التخطيط له في المدينة الثانية في القصة، وهي مدينة جدة والتي تخطط للربط بين ضفتي خليج يصغر كثيرا عن بحر مرمرة وهو خليج أبحر.
جدة ــ للأسف ــ تفكر بطريقة تختلف تماما عن إسطنبول، وبدلا من إنشاء نفق يعبر الخليج بهدوء، وبعيدا عن الأنظار سوف تنشئ جدة جسرا ضخما يحتوي على ثمانية مسارات للسيارات ومسارين للقطار ومسار للمشاة. وسيستند هذا الجسر على قاعدتين أسمنتيتين ضخمتين داخل الماء.
أنظر إلى التصميم ــ القبيح ــ المقترح للجسر كما هو منشور على غلاف مجلة أمانة جدة ــ العدد 51 لربيع الآخر ــ جمادى الأولى 1434هـ. تنتابني مرارة وأنا أتصور ما سيصبح عليه وضع خليج أبحر، وهو أحد منتزهات جدة الرئيسية، بعد تنفيذ هذا المشروع الذي يشكل، في نظري، وبدون شك، كارثة بيئية سوف تقضي على ما تبقى من جمال الخليج. مشروع الجسر لا يراعي أية عوامل بيئية أو جمالية، بل يضرب بكل ذلك عرض الحائط، وكأننا ما زلنا نعيش في الماضي الغابر، الذي لم تكن للبيئة فيه أية اعتبارات أمام المسلحات الإنشائية الضخمة.. الكارثة قد تكون أقرب مما نتصور، بعد أن أدرجت أمانة جدة مشروع الجسر ضمن مشروع النقل العام في جدة، الذي وافق عليه مجلس الوزراء بتكلفة تقديرية 45 مليار ريال. لا أعرف أي دراسة بيئية استندت عليها الأمانة، ولماذا رجعت إلى فكرة الجسر وألغت فكرة النفق التي كانت متداولة لديها في وقت ما. هل هي التكلفة؟ لا أدري، ولكني لا أعتقد، فمدينة جدة تنفق المبالغ الكبيرة على أمور أقل أهمية. من ناحية أخرى أي فرق في التكلفة بين بناء نفق وبناء الجسر لا يبرر تخريب متنزه يستفيد منه مئات الآلاف من المواطنين على مدار العام. أتمنى أن تستفيد جدة من تجربة نفق مرمرة وتضع مشروع نفق أبحر على طاولة الدراسة مرة أخرى. أن تدعو بعض المختصين البيئيين والمهندسين المرموقين في تخطيط المدن والفنانين وتستمع إلى آرائهم. عرض خليج أبحر في المنطقة المقترحة لعبوره لا يتجاوز 300 متر. أما عمقه فيقدر بحوالي ثلاثين مترا. ولذا فإن تكلفة إنشاء النفق ستكون أقل بمراحل من نفق مرمرة. هناك العديد من الأنفاق في العالم التي بنيت تحت أنواع مختلفة من الأجسام المائية مثل الخلجان والأنهار والبحار. تشمل هذه أنفاق مسارات للسيارات أو القاطرات. لم يأت بناء هذه الأنفاق من فراغ، بل روعي في بنائها عدم تغيير المناظر الجمالية، وعدم المساس، قدر الإمكان، بالبيئات المحيطة بها. خليج أبحر عانى الكثير من الهجمات العمرانية على شاطئيه، ولا يحتمل هجمة أخرى ضخمة. ولو أنصفنا هذا الخليج لجعلناه محمية طبيعية، وحميناه من كل ما يمكن حمايته منه من تشويه جمالي وتلويث لمائه وهوائه. وبما أن القرار قد تم اتخاذه للربط بين ضفتي الخليج، فحري بنا اختيار أنسب الوسائل التي تحافظ على شكله وبيئته. السؤال باختصار هو: هل تستفيد جدة من إسطنبول؟.